في حياته وبعد مماته، شكل صدام حسين محور نقاشات كبيرة في الساحة العربية والعالمية. فقد كان هذا السفاح مثيرا للجدل للأمة على أكثر من صعيد.
ففي عام 1980 أشعل فتيل حربا مدمرة وطاحنه مع إيران تحت دعاوى مختلفة ، ليقود حرباً كانت الأطول في القرن الماضي، إذ لم تستمر حرب نظامية بين جيشي بلدين لمدة ثماني سنوات . وبشكل مباشر كانت الخسائر البشرية من هذه الحرب قرابة مليون عراقي ضحى بهم صدام إلى أتون حرب اعتبرت مقدسة من بغداد ! أما خسائر العراق المادية قد زادت على 400 مليار دولار ، فقبل ان يزج صدام ببلده الى الحرب كان العراق يملك فائض ضخم من الاحتياطات المالية ويتمتع باقتصاد قوي ، ذهبت كلها ادراج الرياح نتيجة لطموحات ديكتاتور مستبد .
وانتهت الحرب الطويلة المدمرة إلى لا شيء ما عدا إعلان الطرف الإيراني كلله من طول هذه الحرب نتيجة ضغط الامم المتحدة على طهران لوقفها ، وهذا ما حسبه صدام انتصاراً له ! ليعود الجيش المنهك والخائر القوى من الجبهات ليواجه وضعاً اقتصادياً واجتماعياً غاية في التعقيد وعلى وشك الانهيار والتفتت الداخلي ، وكان لا بد من البحث عن حرب جديدة حتى لاتتوقف عجلة الحروب ودورانها و حتى لا يرتد السلاح إلى مطلقيه، فكانت الطامة الكبرى بغزو الكويت ، الطرف الأضعف جغرافياً في المحيط العراقي . فالخلاف مع سورية - حتى مع وقوفها مع إيران، وكذلك في شأن مبادئ الحزب الواحد - لم يكن مبررا للغزو وليس بالنزهة للجيش . ولا تركيا التي كانت تستعد لبناء السدود على نهر الفرات ، ولا السعودية بثقلها المعروف عالمياً ولا الأردن المحمي من قبل إسرائيل .
ووقعت الواقعة و أحدث الغزو الشرخ الأكبر في جسم الأمة العربية ، وصارت هناك دول مع صدام ودول ضده ، دول مع الكويت وأخرى ضدها !!
بل اختلفت بعض الدول بين مواقفها الرسمية والشعبية ، وصبّت 33 دولة عربية وإسلامية وأجنبية أكثر من مليون جندي في الخليج ، وأحكمت البر والبحر والجو ، وبدأت حرب استمرت نحو 40 يوماً افنى خلالها صدام ثروات العراق وزهرات شبابه لأجل مغامراته ورعونته وسقط ما يقرب من 100 ألف جندي قتيل ، وأسر في هذه الحرب 30 ألفاً آخرين، ودُمرت 4000 دبابة عراقية، ونحو 5000 مدرعة العسكرية و240 طائرة، وأعداد من المدنيين تراوحت تقديراتها لتصل إلى 200 ألف!!
ولو عدنا للتساؤل عن الأسباب والأهداف والمرامي لما وجدنا ما يشفع لكل هذا الخراب والانشطار العربي الذي لازم الأمة لعقدين من الزمان تقريباً ، والخسائر المباشرة وغير المباشرة التي وقعت للمنطقة تحديداً، وما جرته بعد ذلك من سلسلة من المؤتمرات التي ساقت القضية الفلسطينية إلى دهاليز وأنفاق لا ضوء في نهايتها ، نتيجة للطيش والرعونة والديكتاتورية !
وظل نظام البعث في بغداد محاصراً، يتفضل عليه مجلس الامن بمقايضة نفطه مقابل غذاء ودواء بينما يموت الالاف من الاطفال يوميا بفضل اصرار صدام على البقاء فوق جبال من الجثث! وظلت الآلة الأميركية جاثمة في الخليج تنتظر الزلات من هذا النظام الأخرق الذي يوفر لها الذرائع اللازمة لضرب العراق حتى جاءت النهائية وحانت الفرصة في 2003 حين سقطت عاصمته تحت الضربات القاسية والبالغة الوحشية وخيانة اقرب المقربين اليه!
واليوم عاد من تناسى جرائم صدام ليضعه في مصاف الشهداء "ياللأسف" لأنه أعدم بطريقة لا تخلو من التساؤلات واختلاف التفاسير؟؟ وبين من عدّه مجرماً يجوز فيه ما لا يجوز على غيره من البشر ويستحق ما جرى له من اعدام وكان يوم اعدامه عيدين للبشرية جمعاء ،
و انتهى الامر بصدام حسين وبحزبه الذي تذروه الرياح وتفتت عصابته وتحطم العراق وضاعت ثرواته وبات منتمياً إلى الدول الفقيرة ذات الأوضاع الاقتصادية البائسة الموبوءة بالفساد والمحسوبية والطائفية والمحاصصة.
لن تعيد الحسرات والآهات أياً مما ذهب ويبقى الزمن وحده كفيلا بمعالجة ماحدث من مآسي و مجازر وحروب ، "ولكن" يبقى الطاغية صدام هو المسؤول الاول و الاخير عن تدمير العراق والامة العربية منذ توليه السلطة هو وحزبه "العفن" ، وستظل آثار أفعاله ممتدة بالعراق والأمة بأسرها إلى أمد ليس بالقصير.